بقلم: ثائر دوري
صدر عن مركز الحضارة العربية فى القاهرة كتاب " يوميات الجنود الأمريكان فى بلاد الرافدين " من ترجمة وجمع الكاتبة بثينة الناصرى التى بذلت جهداً كبيراً فى البحث فى مدونات الجنود، والصحافيين الغربيين العاملين فى العراق.
لماذا هذا الكتاب ؟
تسأل المترجمة هذا السؤال، وتجيب: ""تقفز إلى الذهن كليشة " اعرف عدوك"، ولكن ليست هذه الإجابة التى تحضرنى الآن""
وتتابع أن الهدف هو إزالة القناع عن وجه الجندى الأمريكى التى جهدت هوليود لتجميل وجهه. فعبر صفحات الكتاب نرى الوجه الآخر لرامبو التائه، الخائف، فاقد التوجه، الذى أعطبته المقاومة العراقية.. فتحول العراق بناسه، وحجارته، وطرقه، وحيواناته، وزواحفه إلى أعداء للجندى المحتل. يقول جاروب والش فى وصفه لـ " رحلة الأهوال على الطريق السريع ":""نهضت وركضت بعيدا عن الشاحنة بحوالى 50 إلى 75 متر وتمددت، وبدأت أطلق النار على المبانى كلما رأيت أحداً. فى تلك اللحظة كان الجميع أعدائى ما عدا أبناء بلدي"".
ويقول جندى آخر: ""حتى مع كل هؤلاء الجنود وكل هذه المعدات كنت أعرف أنه فى أى وقت وفى أى مكان.أى عراقى مع بندقية وحائط يختبئ خلفه وعين صحيحة يستطيع أن يلتقطنى أسرع مما ينقض صقر على جرذ "".
ويلعب مناخ العراق القاسى دوراً إضافياً فى تحطيم معنويات الجنود المدججين بالأسلحة حتى داخل معسكراتهم بل وأثناء ذهابهم إلى دورات المياه " وأنت ترتدى ملابسك المدرعة تبدو وكأن الحرارة أكثر بعشر درجات داخل الدرع من خارجه. وأنا أرى حكمة ارتداء ملابس القتال بكاملها وأنت خارج المعسكر ولكن فى الداخل أيضاً؟ وهى منطقة مؤمنة وحصينة ؟ ".
و المشافى العسكرية تهاجمها الجرذان كما تصف ممرضة فى الجيش باسم مستعار لأن الجيش الأمريكى منع العسكريين من الكتابة " لقد انتقلت الجرذان إلى المستشفى الدافيء وتجرى مسابقة كل يوم حول عدد الجرذان التى يتم اصطيادها وفى أى قسم ".
وتهاجم الأفاعى وبنات آوى الجنود الأمريكان، وتستمر الهاونات فى السقوط على المشفى الميداني. وعندما يقع انذار بالهاونات على الجميع الاحتماء بالأنفاق الإسمنتية المسلحة، لكن وسط طبيعة معادية.
تقول الممرضة:""بنوا لنا ملاجيء جديدة لهجمات الهاون. قطع كونكرتية مسطحة بشكل حرف U سمكها 12 إنج وارتفاعها يصل إلى وسط الشخص، أى عليك أن تزحف لتدخلها، وهى ليست كبيرة وليس من المفروض أن تلمس جانب جسمك، لأنها سوف تنقل موجة صدمة أى شيء ينفجر قريباً منها. حسناً تخيل هذا: ليل مظلم، رمال، صخور، ذباب الرمل، أفاع، عقارب، عناكب. وتريد منى أن ازحف داخل نفق ؟؟!أوه.."" .
وكذلك العناكب لها دورها " بحجم راحة اليد ولونها أسمر وهى ليست سامة لكن عضتها مؤلمة، وهى عدوانية ! إذا عبثت معها سوف تهاجمك " .
ووسط هذا الجو المعادى يصبح إدمان الكحول خير وسيلة للتغلب على الخوف والقلق، لكن هذا قد يذهبك ضحية شيء آخر كالجندى المخمور الذى فقد ذراعه فى فم النمر وهو يحاول أن يطعمه بينما كان مخموراً. ويتدخل الكحول حتى فى لدغات الأفاعي.
تقول نفس الممرضة: ""هل تعرف أن 80% من عضات الأفاعى تتضمن شرب الكحول أيضاً ؟ وصدقنى ليست الأفاعى التى كانت تشرب"".
والشيء الآخر الذى تظهره هذه اليوميات هو حجم الوحشية الأمريكية فالجندى الأمريكى تجرد من أية قيمة إنسانية. يقول الجندى جوشوا كي: ""طرأ على ذهنى حينها أن الإرهابيين هم نحن الجنود الأمريكان إننا نرهب العراقيين. نرعبهم. نضربهم. ندمر منازلهم. نغتصبهم. من لا نقتله نخلق له كل الأسباب ليتحول إلى إرهابي. وبما نفعله بهم، من يلومهم على رغبتهم بقتلنا"" .
هذا الجندى ودعته زوجته قبل أن يغادر بالقول: ""لا تدع أولئك الإرهابيين يقتربون منك، حتى وولو كانوا أطفالاً،اقتلهم قبل أن يقتلوك"".
والحل هو " كان يوماً جيداً قتلنا الكثير من الأبرياء ". يعترف أحد الجنود " فى شهر ونصف قتلت أنا وفرقتى أكثر من 30 مدنياً ". فالسيارة المسرعة تستحق الرمى بالرصاص، ومن يحاول النجاة من ركابها يُقتل، ومن لا يتوقف لأى سبب كان يُقتل لا فرق بين طفل أو شيخ، فبالنسبة لجنود الاحتلال كل العراقيين "حجيين " يستحقون الموت كما استحقه الهنود الحمر. وكلمة حجى يستخدمها الأمريكان للتحقير وهى تماثل استخدام كلمة GOOK للعرق الأصفر. فبهذه الكلمة يجردون العراقى من إنسانيته فيصبح قتله أشبه بلعبة كمبيوتر، تقول التعليمات بفتح النار عشوائياً وعلى كل شيء يتحرك بعد كل هجوم تتعرض له القوات الأمريكية. والجندى الأمريكى يستطيع قتل من يريد، فقط اقتله وارم مسحاة بجانبه، ثم صوره وقل إنه كان يحفر ليزرع عبوة ناسفة، لذلك يوصى الضباط جنودهم بحمل مساحى معهم أثناء الدوريات.
يقول السيد ماسي: ""إن العراقيين شاهدونا ونحن نهين أمواتهم طوال الوقت. كنا نتحلق حول جثثهم المتفحمة ونمثل بها. نركلهم خارج السيارات ونضع سجائر فى أفواههم كما رأيت مركبات تدوسهم. وكان عملنا تفتيش جيوب العراقيين القتلى لنجمع معلومات. ولكنى كنت أشاهد أيضاً المارينز وهم يسرقون السلاسل الذهبية والساعات والمحافظ المليئة بالنقود"" .
والتشابه بين الحرب فى العراق وإبادة الهنود الحمر لم تب عن الصحفيين. يقول باتريك جى ما كدونيل فى صحيفة لوس أنجليس تايمز فى مقال بعنوان " المقاتلون الأشباح ": ""هذا ما آلت إليه الحرب فى قلب المنطقة السنية فى العراق. حيث يرجع أسلوب توفير الأمن الهش إلى حروب الهنود الحمر فى أمريكا بالقرن التاسع عشر – الوقت الذى كان فيه سلاح الفرسان يتخذ المخافر الأمامية والحصون فى أرض العدو ز لرمادى مثل بلاد هندية – فهو "الغرب المتوحش جداً" كما تسمى المنطقة.
وأما المسافة بين تصريحات الرئيس بوش وقادة الجيش الأمريكى المتفائلة عن الوضع الذى يتحسن فى العراق فيلخصها جندى اسمه اليكس من فرانسيسكو بالقول:
""الشخص الوحيد الذى أعرفه والذى كان يعتقد أن الحالة فى العراق تتحسن، قتله قناص فى شهر مايو / أيار"".
لكل ذلك ارتفع معدل الانتحار بين الجنود لأعلى مستوى له منذ 22 عاماً وهو 17,4 لكل 100 ألف جندى بالمقارنة مع 12,4 لكل 100 ألف فى عام 2003. وأظهر آخر مسح للصحة العقلية إن 45% من 1320 جندى تم سؤالهم يعتبرون إن معنويات الجنود فى الحضيض، وفقط 7% يعتقدون أن المعنويات مرتفعة جداً. ويلخص ضابط سابق سبب عدم قدرة لولايات المتحدة على الانتصار بأنها تجابه حرب عصابات، فمقابل كل مقاوم يسقط يحل اثنان. ولا أوهام عند أغلبية الجنود عن سبب الحرب فالجندى مايك هوفمان يقول إن ضابط وحدته قال لهم " لا نذهب إلى هناك بسبب أسلحة الدمار الشامل، ولا نذهب إلى هناك للتخلص من صدام حسين أو من أجل الديمقراطية. نحن ذاهبون هناك لسبب وحيد وهو النفط ".
جرب أن تضع قدمك خارج المعسكر
الأمريكيون والصحفيون محاصرين داخل المنطقة الخضراء الحصينة وداخل معسكراتهم.
يقول العرف دان وايات: ""لأن الفضاء كان مفتوحاً فلم يجرؤ أحد من المتمردين على مهاجمة المعسكر ولكنهم كانوا يطلقون قذائف المورتر والصواريخ التى تسقط بين خيام المارينز.
ولكن ضع قدمك خارج المعسكر ولن تنجو. فقدنا 3 مارينز فى 5 تموز حينما داسوا على لغم أرضى موضوع على بعد 100 ياردة من باب المعسكر"".
وتفرد الكاتبة فصلا خاصاً لـ " الحياة فى المنطقة الخضراء " حيث المرتزقة من كل أنحاء العالم، وحيث ذهابك للمرحاض يحتاج لارتداء البزة الواقية من الرصاص، وحيث العراقيون العاملون مع الاحتلال ومنهم منذر فتفت مستشار وزير الرياضة والشباب العراقى الذى يكتب عنه جيم كرين أنه جلس يضرب على الطبلة فى حانة فى المنطقة الخضراء ليرقص جنود الاحتلال المخمورون !المنطقة الخضراء عالم معزول بالكامل عن العراق وبوضعها هذا تلخص عزلة الاحتلال والمتعاملين معه.
بعض الجنود والضباط مثقف يدرك السخرية الكامنة فى ادعاءات تحضير العراقيين عبر نشر " الحرية " و" الديمقراطية.
يكتب الكابتن جيف بيروزى من معسكر التقدم فى الأنبار: ""إن هذا الخداع يطوره اعتقاد قواتنا المسلحة بأننا نستطيع ببساطة دخول أرض ما بين النهرين التاريخية ونشرح لأبنائها فوائد الجمعية التشريعية. بينما كان أسلافنا الأوربيون يتدلون من الأشجار كان هؤلاء الناس هنا يكتبون الجبر ويحلون المعادلات التربيعية "".
ويكتب الجندى برايان ترنر فى ديوان شعر بعنوان "هنا أيتها الرصاصة" عن انتحار جندى أمريكي
وحدث هذا فى يوم مشمس، سماؤه زرقاء صافية
حين سحب الجندى ميلر الزناد ليضع الحديد والنار فى فمه
تجفل الطيور بعيدا عن المياه
يتوقف النمس تحت أشجار البرتقال
لا شيء يوقف حركة الرصاصة مهما حدث.
هناك 5 تعليقات:
هذه الوحشية تدل على أنهم شعب همجي .. فما عملوه مع الهند الحمر بقي يتوارث في دماء أحفادهم.
تحياتي لك
شكرا دندنة .. يجب أن احتفي بهذا التعليق الأول على هذه المدونة .
شكرا جزيلا.
لن تنموا الطفيليات بوجود البيئة النظيفة ولكن بوجود البيئة المناسبة من الخونة وبائعي الضمير ستتعالى لعنان السموات ويتفزم الجميع .شكرا لهذا الجهد ايتها العراقية اليطلة.
لن تنموا الطفيليات بوجود البيئة النظيفة ولكن بوجود البيئة المناسبة من الخونة وبائعي الضمير ستتعالى لعنان السموات ويتفزم الجميع .شكرا لهذا الجهد ايتها العراقية اليطلة.
omg i'm realy don't know that i can image to see like this artical thxx so much for this special artical صور
إرسال تعليق